كـل إنسان حولك «مـزيـج» نفسي ووراثي وثقافي لا يتكرر بين فـردين. فـأنا وأنت وأي شخص تعرفه (محصلة) لـعناصر وظروف ومؤثرات لا تتشابه حتى بين التوائم. نتحول بمرور العمر وتنوع الخبرات إلى حقيبة (بـأرقام سرية) لا نعرف حتى نحن كيف نفـتحها ونرى محتوياتها.
غـير أن المشكلة لا تكمن في تنوع شخصيات البشر؛ بـل في فشل كل إنسان في اكتشاف نقاط تفرده وأسباب اختلافه عن الآخرين.. في اعتقاد كل شخص أنه فريد عصره ووحيد زمانه والمرجع الوحيد فيما يختلف عليه الناس ويخفى عليهم أمـره.. في قناعته بأن ما توصل إليه (بعد ما يظنه تفكيرا واعيا وعميقا) هو الصحيح والسليم وما لم يسبقه إليه أحد من العالمين..وأيا كانت آراؤنا ونتائج تفكيرنا فهـي في النهاية (محصلة) لـمؤثرات عميقة ولا واعية نسيها معظمنا.. محصلة لـدوافع وخلفيات توجهنا لـتبني آراء وأفكاراً نعتقد أن على الجميع الالـتزام بـها. نادرا ما يخطر ببالنا احتمال تـشوه قراراتنا ونظرتنا للعالم من خلال الموروث والسائد والأفكار المقولبة وتجاربنا الخاصة (وليس العكس)..
لهذا السبب أعتقد أن أول متطلبات الخروج بالرأي النزيه والقرار الصائب هو الاعتراف بتعرضنا المسبق لكافة أنواع المؤثرات.. الخروج أولا من قوقعة الماضي والمعتاد والمسلم به، والاعتراف بأننا (محصلة نهائية) لظروف اجتماعية وثـقافية ونفسية أعقد مما نتصور..
فـقـط حين نعترف بهذه الحقيقة، يصبح همنا الأول ليس الدفاع عن آرائنا الخاصة، بـل التأكد من أننا لم نخدع أنفسنا ونتبنى آراء تم تشكيلها مسبقا.. نصبح مهيئين للانتقال من مرحـلة (لماذا) نفعل ذلك إلى (كيف) نطور أنفسنا ونصبح أفضل من ذلك..
أسم الكتاب
نظرية الفستق (الجزء الأول)
التأليف
فهد عامر الأحمدي